في يوم الاربعاء، الموافق 30 نيسان 2025 طالبة الصف الثامن التي تحدّثت لغة المستقبل بطلاقة،وحوّلت فكرة بسيطة إلى نظام ذكي يحفظ الطاقة ويحمي البيئة
لم يكن هذا يومًا عاديًا بالنسبة لي كأب. أن أقف وأشاهد ابنتي، سيلين مصطفى مراد، طالبة في الصف الثامن، تتحدث بثقة أمام لجنة تحكيم جامعية، وسط أكثر من 60 مشروعًا علميًا من أنحاء الأردن، كان لحظة اختلط فيها الفخر بالذهول، والفرح بالامتنان.
سيلين لم تكن فقط الأصغر سنًا بين المشاركين في مسابقة "مسار 2025" التي نظّمتها الجامعة الألمانية الأردنية، بل كانت من أكثرهم حضورًا وتأثيرًا. لم تكن مشاركتها رمزية، بل حملت معها مشروعًا متكاملًا يعتمد على الذكاء الاصطناعي، يلامس واحدة من أكثر التحديات الواقعية في حياتنا اليومية: استهلاك الطاقة.
حين رأيت نظرات الإعجاب والانبهار من الحضور، ومن مسؤولي الجامعة أنفسهم، أدركت أن سيلين لم تكن تشارك... بل كانت تصنع فرقًا.
سيلين مصطفى مراد، ابنة الثالثة عشرة، طالبة في الصف الثامن من مدرسة أم طفيل الثانوية للبنات، لم تكن مرشحة معتادة في مسابقة تقنية بهذا الحجم. عمرها الصغير لم يمنعها من أن تخطو بثقة إلى ساحة المنافسة التي ضمّت مشاريع من طلبة أكبر سنًا وأكثر خبرة، بل جعلها محط أنظار الجميع.
اختارت أن تذهب إلى ما هو أبعد من المشاركة التقليدية، وقدّمت مشروعًا يعكس وعيًا بيئيًا وتقنيًا متقدمًا، بلغة علمية رصينة وأسلوب عرض احترافي نادر في عمرها.
أن يتم اختيار مشروعها ضمن أفضل 20 مشروعًا في التصفية النهائية، لم يكن مجاملة ولا محض حظ، بل نتيجة طبيعية لإبداع صادق، وعمل دؤوب، ودعم صادق من المدرسة والأسرة.
كانت سيلين، ببساطة، مثالًا على أن الإبداع لا يرتبط بالعمر، بل بالشغف والإصرار.
ما قد يبدو للوهلة الأولى كمشروع علمي بسيط، هو في الحقيقة نظام ذكي متكامل لإدارة استهلاك الكهرباء في المنازل بطريقة ذكية وفعالة.
"Eco AI System" هو الاسم الذي أطلقته سيلين على مشروعها، الذي يجمع بين الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والطاقة المتجددة، لابتكار حل عملي يهدف إلى تقليل فاتورة الكهرباء، والمساهمة في حماية البيئة.
يعتمد النظام على ثلاث ركائز تقنية رئيسية:
وهو نوع متقدّم من الشبكات العصبية يُستخدم لتحليل البيانات الزمنية. استطاعت سيلين تدريبه ليتنبأ بأوقات الذروة في استهلاك الكهرباء بدقة ملحوظة.
حيث تم استخدام لوحة ESP32 لربط الأجهزة الكهربائية بالنظام، مما يمكّن من تشغيلها أو إيقافها تلقائيًا حسب الحاجة، وبناءً على توقعات استهلاك الطاقة.
النظام يستخدم الطاقة الشمسية كمصدر بديل، ويوفّر واجهة مرئية أنشأتها سيلين بنفسها باستخدام Oracle APEX لعرض البيانات والتحكم يدويًا أو آليًا بالأجهزة.
بساطة الفكرة وعمق التنفيذ، جعلت من المشروع مثالًا حيًا على كيف يمكن للتكنولوجيا أن تُسخّر لخدمة البيئة والمجتمع... من عقل شابة لم تتجاوز الصف الثامن.
كانت لحظة وقوف سيلين أمام لجنة التحكيم وإدارة الجامعة الألمانية الأردنية لحظة لا تُنسى. ما إن بدأت بشرح مشروعها بثقة، مستخدمة مصطلحات تقنية دقيقة، حتى بدت ملامح الدهشة على وجوه الحضور.
المشروع لم يكن مميزًا فقط بفكرته، بل بكيفية عرضه، وفهم سيلين العميق لكل جزء من أجزائه.
رئيس الجامعة الألمانية الأردنية الأستاذ الدّكتور علاء الدّين الحلحولي ومستشار الرئيس لشؤون الحياة الجامعية الأستاذ الدكتور علاء خليفة توقّفوا مطولًا عند جناح سيلين، واستمعوا إلى شرحها باهتمام بالغ. عبّروا بوضوح عن إعجابهم بالمستوى التقني العالي، والتناغم بين مكونات النظام، والأهم: نضج التفكير والتمكن رغم صِغَر سنّها.
لم يكن هذا مجرد حضور رمزي... بل لحظة اعتراف رسمي بأن المستقبل يحمل أسماء جديدة، بدأت مبكرًا.
إن ما قدّمته سيلين ليس مجرد مشروع مدرسي ناجح، بل هو رسالة حيّة تؤكد أن القدرة على الابتكار لا ترتبط بالعمر، بل بالشغف، والفرصة، والدعم الصحيح.
هذا الإنجاز يسلّط الضوء على حقيقة غالبًا ما نغفلها:
✳️ في مدارسنا مواهب كامنة، تنتظر من يراها، يؤمن بها، ويوفّر لها البيئة المناسبة لتتفتح.
ما فعلته سيلين يجب ألّا يبقى قصة فردية، بل أن يتحوّل إلى نموذج يُحتذى في دعم الإبداع في سن مبكرة، وفي دمج التكنولوجيا بالواقع اليومي منذ المراحل المدرسية الأولى.
📣 الرسالة ليست فقط للطلبة:
بل أيضًا للمعلمين، للأهالي، ولصناع القرار التعليمي... أن آفاق التميز مفتوحة أمام الجميع، متى ما فُتحت أبواب الدعم والفرص.
وراء كل إنجاز كبير، تقف قلوب مؤمنة، وأيادٍ حانية تدفع نحو الأمام.
وما وصلت إليه سيلين اليوم، ما كان ليتحقق لولا الدعم والتشجيع المستمر من المدرسة، وتحديدًا:
🔹 المعلمة المشرفة أمان خضر -- التي لم تكن مجرد موجّهة أكاديمية، بل كانت رفيقة درب في كل مرحلة من مراحل المشروع، تؤمن بقدرة سيلين، وتفتح أمامها الآفاق بثقة وصبر.
🔹 المديرة الفاضلة غادة القاضي -- التي آمنت بإمكانيات طالباتها، وقدّمت الدعم المعنوي والإداري بكل تفانٍ، وخلقت بيئة مدرسية تحتضن الإبداع وترعاه.
🔹 ولا أنسى الأبطال الحقيقيين خلف الكواليس -- إلى والدتها الحنونة، التي كانت سندًا صامتًا ومُلهمًا،وإلى جدتها التي غرست فيها حب العلم منذ الطفولة، وكانت دائمًا أول من يحتفل بإنجازاتها.
لكل معلم ومعلمة يرون في طلبتهم ما لا يراه غيرهم...
لكل إدارة مدرسية تزرع الثقة قبل الدروس...
هذا الإنجاز هو ثمرة جهودكم، كما هو ثمرة طموح سيلين.
في كل مرة ننظر فيها إلى جيل اليوم، علينا أن نتذكر أن العقول العظيمة لا تنتظر التخرج لتبدأ، ولا تحتاج لسن معينة لتبدع.
سيلين لم تُثبت فقط أنها مبدعة، بل أثبتت أن كل طالب يحمل بداخله بذرة عبقرية، تنتظر فقط من يسقيها بالثقة والدعم.
✳️ هذا الإنجاز هو بداية، لا نهاية.
✳️ وهو دعوة مفتوحة لكل من يرى في التعليم رسالة، وفي الطالب مستقبلًا.
إلى ابنتي سيلين...
فخري بك لا يوصف، وطموحك مصدر إلهام لي ولكل من يقرأ هذه الكلمات.
استمري في التقدم، فالعالم بانتظار المزيد من أفكارك، وابتكاراتك، وإيمانك بأنك قادرة.
وإلى كل من قرأ هذا المقال:
ادعموا أبناءكم، طلابكم، طموحاتهم... فقد يحملون غدًا ما لا نراه اليوم.